أكاديميّون يفسّرون أسباب ضعف نتائج البكالوريا في الجهات الداخليّة...
بصدور نتائج البكالوريا لدورة جوان من سنة 2022، وبتميّز المتميّزين وبتعثّر غير المحظوظين، كَثر الجدل، بعد تفاوت نسب النجاح بين ترتيب الجهات الذي احتلت فيه ولاية القصرين المرتبة 26 من 26 مندوبية جهوية للتربية. موزاييك حاولت تفسير هذه النتائج عبر الاتصال بذوي الاختصاص والأكاديميين.
التوجيه نزولا عند رغبة المترشح فقط.. سبب الداء..
يفسّر مندوب التربية بالقصرين منصف القاسمي، في تصريحه لموزايك، ضعف نسبة نجاح تلاميذ البكالوريا، بجهة القصرين، والتي لم تتعدَّ 23%، في دورة جوان 2022، على كونها نتيجة للتوجيه المدرسي الذي يخضع لرغبة التلميذ، دون النظر لمؤهلاته.
وكانت دورة جوان 2022، للبكالوريا قد شهدت ترشح 5377 تلميذا لمناظرة البكالوريا، 63% منهم من المنتمين لشعبتي الآداب والاقتصاد والتصرف، في ولاية القصرين.
ولم تتجاوز نسبة النجاح في شعبة الآداب، في الدورة الرئيسية للبكالوريا، 7.79%. فيما بلغت 17.9% في شعبة الاقتصاد والتصرف.
وشدّد القاسمي على أهمية التربية على التوجيه المدرسي منذ السنة السابعة أساسي، مع مراعاة إمكانيات التلميذ إضافة لرغبته، من أجل تحسين النسب المائوية العانة للنجاح في مناظرة البكالوريا في ولاية القصرين.
تصدّر ترتيب البؤس وتذيّل ترتيب النجاح..
بدوره يفسر الأستاذ والباحث في علم الاجتماع مولدي القسومي، في تصريحه لموزايك، أهم أسباب تدهور نتائج البكالوريا الحاصل في الجهة، على أنها نتيجة حتمية لسقوط المعطى الثقافي التقليدي للمصعد الاجتماعي، وفقدان التعليم لمعناه كواجهة ووجاهة.
وأوضح الكاتب والمختص في علم الاجتماع أن المتغيرات المتحكمة في التميز المدرسي هي اجتماعيّة/اقتصادية بامتياز، وما تذيّل ولاية القصرين للترتيب الوطني في نسب نجاح البكالوريا، للدورة الرئيسية للمناظرة لسنة 2022، إلاّ نتيجة حتميّة لتصدرّها مؤشرات الفقر وغياب رفاهية الحياة.
وأشار القسومي إلى أن تخلي الدولة عن التعليم في تونس، بصفة عامة، قد خلقت أزمة ستساهم في صناعة تصدّع مجتمعي، سينتج خلال 10 سنوات مجتمع يحتوي أقليّة مواطنيّة وأغلبية من المواطنين بدرجة الرعايا، خصوصا مع بروز تعليم خاص للمتميزين والأثرياء، وتعليم عمومي للفاشلين والفقراء، وفق تصريحه.
عوامل نفسية وتربوية واجتماعية..
من ناحية أخرى، فسرت الأخصائية في علم النفس مريم همامي، لموزاييك أسباب تدهور نتائج البكالوريا، في ولاية القصرين، انطلاقا من عدد من الزيارات الميدانية التي قامت بها في نطاق مهامها، على كونها تعود أساسا إلى عوامل تربوية، ونفسية، واجتماعية.
وأشارت الهمامي إلى أن غياب الدافعية لدى التلميذ، والتغيّب عن الدراسة خصوصا لأسباب اجتماعية وعدم وجود التحفيز وغموض المستقبل، وغياب الثقة في النفس، التي لاحظتها في محادثاتها مع التلاميذ في ولاية القصرين، تستدعي دراسة نفسية/ اجتماعية من أجل تحديد توجّهات مستقبلية، ضمن استراتيجية على المدى القصير والطويل، تعتمد أساسا على الجو المدرسي العام وتأطير الولي، وخصوصا على الجانب الاجتماعي للتلميذ، من أجل تحسين النتائج المدرسية.
صناعة الغش والمتاجرة بالأعداد سبب البليّة..
بدوره، يشدّد الباحث والمربّي علي العمري، على أن أهم أسباب تدني نتائج البكالوريا في القصرين تعود بالأساس إلى أزمة التسيير داخل المؤسسات التربوية، خصوصا مع ما وصفه ببروز ظاهرة صناعة الغش، وتسسبها في تهاون جزء من المترشحين للمناظرة، للتعويل على الغش عوض التحصيل العلمي.
ويشير الكاتب العمري، أيضا، إلى تسبب النجاح الآلي، طيلة سنوات التمدرس، نتيجة "المتاجرة بالأعداد" عبر الدروس الخصوصية، في تدهور النتائج في المناظرة الوطنية للبكالوريا.
ولفت العمري إلى تأثير ما اعتبره بظاهرة الأساتذة النواب المنتشرة في الجهات الداخلية، إضافة إلى غياب التأطير الأسري، والعامل الاجتماعي، وتغاضي الدولة عن الحوكمة لأسباب سياسية، على النتائج المدرسية في الجهة.
"أستاذ مقاول" يرهّب العائلات والأولياء...
من جانبه، يشير أستاذ الأدب المقارن بجامعة أكسفورد، والمراقب لوضع التعليم بالجهة محمد صالح عمري، إلى أن أحد أهم أسباب تردّي النتائج في مناظرة البكالوريا في القصرين، تتمثل في التخلي، النسبي، عن الوظيفة العادية للأستاذ المباشر لصالح الأستاذ الخاص "المقاول"، وهو في أغلب الحالات الشخص نفسه، وهو ما اعتبره العمري، اقتصادا موازيا في قطاع التعليم.
وأشار الكاتب والباحث إلى ما اعتبره ترهيبا يوميا للعائلات والتلاميذ، عبر وباء الدروس الخصوصية وما تحمله من كلفة على التلاميذ والعائلات، ومساهمتها في نكبات النتائج، نهاية كلّ سنة مدرسية.
برهان اليحياوي.